في بداية مقدمة كتاب (أزهار برية من فلسطين) الذي صدر ضمن سلسلة دراسات الوعي البيئي، يفاجأ القارئ بما جاء فيها من أن عدد النباتات الوعائية التي تم العثور عليها في بلادنا حتى الآن وصل إلى 2500 صنف (وهو حوالي ضعف عدد الأصناف النباتية الموجودة في بريطانيا على سبيل المثال، و التي تبلغ مساحتها أضعاف أضعاف مساحة فلسطين).
و ربما لا تقتصر المفاجأة على هذه المعلومة الهامة، فنقرأ ( إن التوزيع النباتي في فلسطين كاد أن لا يكون هناك مثيلاً له في أي بلد آخر، فمثلاً يوجد في منطقة القدس و حدها أكثر من ألف صنف نباتي متنوع ).
و تزهر هذه النباتات في معظمها في شهر نيسان، و قليل منها يزهر في شهر كانون الأول، وتعيد مقدمة الكتاب أسباب هذا التنوع إلى عدة أسباب منها الموقع الجغرافي لفلسطين كمنطقة التقاء القارات الثلاثة، و الطبيعة المناخية و التنوع المناخي في مساحات قليلة. وكون فلسطين كانت مسرحاً لصراع كثير من الحضارات، تم إدخال العديد من الأنواع النباتية إما قصداً بواسطة الإنسان أو من غير قصد بواسطة الحيوانات.
و يلعب الماء دورا أساسياً محدداً في نمو النباتات في فلسطين، و بسبب تفاوت الكميات المتساقطة من الأمطار من منطقة لأخرى فإن النباتات البرية ، وبذكاء تحسد عليه..!، تكيفت و تأقلمت مع هذه التغيرات في نسبة سقوط الأمطار، ومن أشكال هذا التكيف كما يورد الكتاب زيادة امتصاص المياه من حوض الأرض و تقليل التبخر، حتى أن الأشجار المثمرة غيرت من شكلها سواء كان في شكل الساق أو الأوراق أو الجذور، وذلك لمقاومة الجفاف و تقليل النتح و التبخر التي تفقد عن طريقه كميات ليست قليلة من المياه، وكذلك تحاول الاحتفاظ بكميات احتياطية من المياه لأشهر السنة التي تقل فيها كمية الأمطار.
ومن (حيل) النباتات على الطبيعة، جعل السيقان أغلظ وأسمك من قبل، والأوراق تصبح صغيرة لتقليل الثقوب التي من خلالها تفقد النبتة كميات ليست قليلة من الماء عن طريق النتح، أما جذور النباتات فتتطور لتصبح أغلظ و أكثر تشعباً و قوة، حتى تستطيع الوصول إلى أماكن تواجد المياه الجوفية والمخبأة في باطن الأرض و التي تكون قد ترسبت هنا بعد سقوط الأمطار.
وهناك العديد من النباتات تخزن الماء و الغذاء و الأملاح بداخلها للاستفادة منها في أوقات الحر الشديد.
فوائد طبية
و يورد الكتاب معلومات مختصرة، و صوراً عن نحو 100 من النباتات، ومما يلفت الانتباه إيراد فوائد طبية لبعض النباتات و التي كان يستخدمها الأجداد للتطبيب مثل نبات (سماق الدباغين) الذي يعتقد أنه مفيد ضد الإسهال المزمن حيث يستعمل ثمره في صنع مشروب حامض لهذا الغرض، ونبات (تفاح البحر الميت) الذي يستعمل سائله علاجاً ضد العقم عند النساء، ويقدر البدو هذه النبتة و يفركن النساء البدويات أجسامهن بالسائل الحليبي الذي ينزل من الشجرة لاعتقادهن أن ذلك يجعل الحمل سهلاً رغم المخاطر لأنه إذا لمس هذا السائل العين يمكن أن يسبب لها العمى، و لسان الحَمَل أو آذان الجدي و الذي يستعمل كمضاد للإسهال ولتجليط الدم، بسبب وجود مادة هلامية و كلوكوزية الايكوبين، و الزعفران الشتوي الذي يعتبر مهدئاً للمعدة و الأمعاء و طارداً للغازات، و يعمل على تنشيط الإدرار البولي و إفراز العرق و يستعمل مستخلصه المائي في علاج نزلات البرد و السعال الديكي، ويعمل على تنشيط الإدرار البولي و إفراز العرق، و الحنظل الذي استخدمه الأطباء القدماء في تطبيب الإسهال. و للمريمية التي تستخدم على نطاق واسع فوائد صحية كتنقية الجهاز التنفسي، وتساعد في إفراز العرق من الجسم، و تمنع تكون الحصى في الكلى، و تساعد في تخفيف أمراض الروماتزم، وشرابها يمنع تساقط الشعر. و يستخدم الخروع كمادة ملينة و مسهلة لحالات الإمساك المزمن تستعمله النساء في غسيل الشعر بإضافته للشامبو لزيادة بريق الشعر و منع تقصفه، وتُغلى أغصان و أوراق (رجل الحمام الفلسطينية) بعد تجفيفها و يشرب منها من لديه حصوة في الكلى وهي مدرة للبول أيضا. وتستخدم مستخلصات من نبات (السكران) في صنع عقاقير مسكنة و في طب العيون وهذا النبات سام، ومن النباتات الشهيرة جداً في بلادنا (الزعتر) الذي يقال أنه يعالج التهابات الرئة و السعال الديكي، ويسكن آلام المعدة و يداوي الأمراض الجرثومية في المعدة و الأمعاء، و مهدئ للأعصاب. وهناك تلك النبتة التي أهانها أهلها و أخذوا يستوردونها من الخارج (البابونج) أو كما يسميها الفلاحون (القريعة) و يشرب سائلها المغلي لطرد البرد. و تستخدم (الجعدة) مرة المذاق لتخفيف آلام المعدة من الرياح.
حلوة و سامة
وهناك العديد من نباتاتنا التي تخفي خلف جمالها مواداً سامة، وربما أشهرها (اللوف) الذي يأكله كثير من القرويين، وهناك نوع منه اسمه العلمي (لوف فلسطيني) وهي عشبة سامة بكافة أجزاءها و تفقد جذورها سميتها بالتجفيف و الغلي، أما بالنسبة للحنظل الذي يضرب به المثل لشدة مرارته، فإن ثمرته سامة أما البذور فهي بيضاء أو بنية غير سامة و صالحة للأكل.
وربما كانت أشهر النباتات السامة هي (الدفلى)، رغم جمالها الذي جعلها تنتشر في مناطق كثيرة في العالم لتزيين الحدائق و الشوارع، ولكن من أخطرها (زوان مسكر) وهو نبات من الفصيلة النجيلية، ينبت برياً في الزرع و المروج ويجب تنقية الحبوب منه (كالقمح و الشعير) بسبب خطورته، وربما تخدع (بندورة الحيات) الإنسان فيحاول أكلها بسبب أنها بندورة و لكن حذار فهي سامة ..جداً، أما تفاح المجانين فهو نبات عشبي معمر سام وطبي، سمي بهذا الاسم بسبب التأثير المخدر لثماره، وتجذب النبتة الإنسان و الحيوان إليها برائحتها الطبية المسكرة.
فوائد أخرى
يستخدم نبات سماق الدباغين (الأوراق و الثمر و اللحاء)، في دبغ الجلود و صبغها ، ولكن المعروف أن الكثير من الأمهات يجففن ثمره و يسحق و يمزج مع الزعتر أو أنواع أخرى من التوابل كالبهار أو دواء .
وهناك (بلان العوسج) النبات الشائك الذي يستعمل في الأفران أو في كنس الأزقة بعد تجفيفها، ويستخدم البعض ثمار نبات (الكبار) للأكل و ذلك بتخليل البراعم بماء الملح و الخل قبل أكلها، ومثلها نبتة (قرن الغزال) أو الزعمطوط أو عصا الراعي، فهذه النبتة، ومن شدة جمالها أطلقت عليها أسماء كثيرة وفي بعض المناطق تستعمل أوراقها في الغذاء و ذلك بطبخها مع الأرز، ومن النباتات الشهيرة المستخدمة في الأكل (بقلة مباركة) و معروفة باسمها الشعبي (الرجلة)، وفي مقابلة مع خالد عبد الناصر نجل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ذكر أن طبق (الرجلة) كان مفضلاً لدى والده الذي تعرف عليها أثناء حصار (الفالوجة) خلال حرب فلسطين (1948)، وهناك بقلة تعرف باسم (العكوب) يتبقلونها في الربيع و تباع في الأسواق و يطبخ منها الساق و العروق و الورق، وزهرتها عبارة عن رأس مزهر وهو يؤكل، و يعتبره البعض طعاماً فاخراً تفوق لذته الأرضي الشوكي. وتشبه هذه النبتة نبتة (خرفيش الجمال) التي يتبقلونها و يطبخون ساقها و عروقها و وورقها بعد إزالة الأشواك عن النبتة، و تستخدم (زعتر البر) و التي يطلق عليها أيضا (زعتمانة) مع الأكلات الشعبية و هي ذات رائحة عطرة و تختلف قليلاً عن رائحة (الزعتر)، وهناك من يستخدم أوراق (السلفيا الفلسطينية) بحشوها بالرز و أكلها.
و لنبتة الحصادة أو البليحاء، رائحة مميزة تستعمل في صباغة الصوف والحرير، و تظهر هذه الرائحة بشكل أفضل حين فركها بين الأيادي و يزول لونها بسهولة بواسطة الماء.
أسماء دالة
ومن الأمور الملفتة أسماء هذه النباتات المنتشرة في فلسطين، ولم يتوقف البحث كثيراً عند أسباب هذه المسميات، إلا قليلاً مثل ما ذكر عن (المريمية)، أن تسميتها جاءت عندما هربت سيدتنا مريم مع الطفل يسوع إلى مصر من الملك هيرودس جلست متعبة تحت ظل شجيرة و قصفت غصناً منها و مسحت و جهها بأوراقه حتى شعرت بالانتعاش بسبب شذاها، ثم قال للنبتة : لتكوني مباركة إلى الأبد، ومنذ ذلك الوقت تدعى النبتة بالمريمية تخليداً لذكرى السيدة مريم، وهي حقيقة مباركة لذا فإن النساء الفلسطينيات يقدرون المريمية و يحبونها معتقدات بأنها مليئة بفضيلة الصحة.
وهناك أسماء ذات دلالة مثل (زهرة الشمس الوردية) و (سيف الغراب) و (لحية التيس) و (آذان القط) و (الشقيق المقدسي) و (آذان الدب) و (دم الغزال) و (قراص كاذب) و (لسان الثور) و (قثاء الأنبياء) و (ساق لحمام اليهودي) و (عين الأسد- أدونيس) و (آذان الدب) و (لبن الطير) و (قاتل الكلب) و (زهرة الجرب الفلسطينية) و … غيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق